المسار القضائي وقرب إزاحة رياض سلامة!
هل بدأ العد التنازلي لإخراج رياض سلامة من البنية المالية والنقدية التي حكمها وتحكَّم فيها لثلاثة عقود في لبنان؟ الجواب على نحوٍ إيجابي تُمليه التطورات القضائية والسياسية. مبتكر الهندسات المالية و”مبتدع” الحلول في أزمات النقد منذ العام 1993 قائد المحور المالي، الذي قاد لبنان إلى أزمته النقدية والاقتصادية بالتعاضد والتضامن مع قادة المحاور السياسية الذين أتقنوا الفساد واللعب بالمؤسسات وإدارة الصفقات لصالح تأمين مصالحهم الشخصية، يخطو الآن خطواته الأخيرة نحو التنحي جانبًا.
والحديث بشأن البحث عن بديل حاكم المصرف المركزي صحيح والجميع بات على يقين بأن رياض سلامة أصبح ملاحقًا ولا يمكن له الاستمرار في مهماته بالتزامن مع “فيض” الملفات المالية في إطار تبديد المال العام وسوء إدارة الملفات المالية بأسلوب قاد إلى الانهيار الاقتصادي والشح المالي وجرائم تبييض الأموال والاستفادة من مركز المسؤولية.
السلطة السياسية، التي سلّمت بضرورة إخراج سلامة ومحاسبته، بدأت تدرس سيناريوهات استبدال سلامة، ووضعت أسماءً لدراستها والتوافق حولها وتسمية البديل ستكون عن طريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. التسليم بمقولة “سلامة أو لا أحد” يجري تحطيمها بانتظار ترتيب الخلافات بين أركان المنظومة السياسية، الحائلة دون الاتفاق سريعاً على اسم بديل، بحسب مصادر سياسية متابعة. وذلك يأتي ضمن حزمة مواصفات تبدأ بمراعاة شروط دولية ضمنية معينة، أميركية وأوروبية بالتحديد وكذلك من جانب صندوق النقد الدولي وجهات تمويلية دولية أخرى يعوّل عليها لبنان لاستقدام الأموال والاستثمارات.
يبدو أن سلامة استشعر لحظة “الانقضاض” القضائية والسياسية وحتى الدولية على ارتكاباته، وباشر باللعب المضاد من خلال التلاعب بأموال الناس وحقوقهم في تأمين الوقود والغذاء والدواء، حاجبًا أموال الاستيراد. وكما تقول المصادر فإن سلامة “لن يترك ساحة سلطانه في سدّة الحاكمية قبل إحراق آخر فلس للمودعين”. ففي وقت يستجدي حماية الحكومة ومجلس النواب يلعب بابتداع أزمة عودة الطوابير والفوضى أمام المحطات ولاحقًا أمام السوبرماركت والأسواق ويربط حضوره وغيابه بقفزات صاروخية لسعر صرف الدولار، لعجز المصرف المركزي على حرق المزيد من الدولارات وأيضًا يُلوّح بإيقاف منصّة “صيرفة” قائلًا للتُجّار والمستوردين: “دبروا حالكم”.
“مستجلِبًا” حماية أهل السلطة يُصارع سلامة بمصير الناس لمواجهة سلطة خاضعة لمن موّل وغطى سرقاتها، والرجل الفار من العدالة بسبب تهم تهريب الاموال والاثراء غير المشروع والاستغلال الوظيفي يستفيد من تخبط الحكومة ورئيسها في مستنقع الأزمات الداخلية المتشابكة، معيشيًا وغذائيًا وماليًا واقتصاديًا وقضائيًا ومصرفيًا.
وضمن مآثر التخبط واللف والدوران وانعدام القدرة على حسم الأمور ابتدعت حكومة نجيب ميقاتي لجنة “درس الثغرات القضائية من قضاة ومصرفيين ومحامين” لضبط إيقاع ما اشتُبه على تسميته “صراع القضاء والمصارف”، وكأن الطرفين متكافئين في المسؤولية والصراع فيما هو مسار حقوقي عدلي لإلزام المصارف على تأمين أموال المودعين.
السقطة الحكومية، أعقبت توقيف النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون رجا سلامة، شقيق حاكم المركزي، لكن المقررات الحكومية في وادِ “تسييس المصالح” وسير القضاء على طريق العدالة في وادِ “إعادة الحقوق لأصحابها” أو هكذا يأمل اللبنانيون أن تكون الخاتمة. وفي هذا المسار، أمر قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان، نقولا منصور، ببقاء شقيق حاكم مصرف لبنان، رجا سلامة، قيد الاحتجاز بعد اتهامه الأسبوع الماضي بالتواطؤ في الإثراء غير المشروع. ووفق تصريحات مصدر قضائي “أنّ القاضي منصور أصدر في جلسة اليوم الخميس مذكرة توقيف بحق رجا سلامة بانتظار توفير الوثائق التي تظهر مصدر الأموال المستخدمة في شراء عقارات قيد التحقيق”.
وكانت قد وُجهت إلى الحاكم رياض سلامة تهمة الإثراء غير المشروع غيابياً في القضية نفسها المتعلقة بشراء وتأجير شقق في باريس، بعضها للمصرف المركزي، الاتهامات التي ينفيها سلامة. ووجّهت القاضية غادة عون التهم إلى الأخوين سلامة، وأحالت القضية إلى قاضي التحقيق نقولا منصور في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وعلى خط المصارف والإجحاف الذي تنتهجه بحق اللبنانيين، أصدرت القاضية غادة عون قرارًا قضى بإبلاغ الجمارك وجوب منع نقل وتحويل أموال خارج لبنان لمصارف بيروت، عودة، الاعتماد المصرفي، med ، SGBL، BLOM. القرار يلي قرارًا سابقًا أصدرته عون في 14 آذار، وضعت بموجبه إشارة منع تصرّف بعقارات وأملاك منقولة وغير منقولة لعدد من المصرفيين. كما أصدرت قرارات بمنع السفر بحق رؤساء مجالس إدارة 5 مصارف لبنانية، وهُم سليم صفير عن بنك “بيروت”، سمير حنا من بنك “عوده”، انطوان الصحناوي من “سوسيتيه جنرال”، سعد الأزهري من “بلوم بنك” وريا الحسن من بنك “ميد”.
وفيما المسار القضائي يسلك طريقه نحو الوضوح في الملفات المرفوعة أمامه، يُصر بعضٌ من في السلطة، على إبقاء رياض سلامة ركنًا في الحلول المالية فيستدعيه مجلس الوزراء زائرًا محاضرًا لتقديم نظرته عما يجري حاليًا في السوق النقدي والمصرفي والاستماع إلى وصفاته للحلول!… ما يضفي عليه “شرعية” تُعاكس الملاحقات القضائية محليًّا ودوليًّا، التي تتهمه بالقيام بعمليات اختلاس بالتنسيق مع شقيقه رجا.
لكن هذا الاتجاه المعاكس للعدالة لن يستمر طويلًا، بحسب مصادر متابعة، ولعبة “أخذ اللبنانيين رهائن” وابتزازهم بلقمة عيشهم، ستنتهي عاجلًا أم آجلًا. ليس بسبب حب السلطة السياسية للعدالة والانصاف والمحاسبة بل لخطورة الانغماس في هذه اللعبة قبل أقل من شهرين على الاستحقاق الانتخابي”.
لذا فإن عودة الطوابير أمام محطات الوقود، وصعوبات في شراء المازوت، وتقلّبات سعر الصرف، والتقنين القاس في الكهرباء وتعطّل حياة الناس سيضع كافة القوى السياسية بمواجهة قواعدها ما يدفعها إلى السير بعكس إرادتها لإنهاء دور سلامة.
وفيما السباق يجري بين مسار العدالة وطريق التسويف السياسي، يتم التداول في اسم ومواصفات خليفة سلامة على رأس المصرف المركزي، وأُدرج على اللائحة المصرفي الوثيق العلاقة مع فرنسا سمير عساف، لكنه رفض المهمة. وجرى الاتصال بعدد من الشخصيات من بينها الوزير السابق جهاد أزعور، وطُرِح إسم الوزير السابق كميل أبو سليمان وعدد آخر من أسماء اقتصاديين، إلّا أنه حتى اليوم لم يجرِ الاتفاق على اسم محدّد قادر على تفكيك سور رياض سلامة وإرثه العقيم.